الجمعة، 19 نوفمبر 2010

المستحيلات الثلاثة (الجزء الثالث): الخل الوفي



ملحوظة: هذا ال post هو الجزء الثالث من اربعة لسلسلة بعنوان "المستحيلات الثلاثة" ... انصح بقراءة الاجزاء السابقة قبل قراءة الجديد ... واعتذر مقدما إن كان هذا ال post مقبضا بعد الشيء ... و لكنه مبني على قصة حقيقية ... ليس الهدف من عرضها هو استعطاف الاخرين أو استغلال ماحدث بالشكل الخاطئ, ولكنه ببساطة عرض لقصة بسياق معين ... تظهر العظة منه والحكمة من روايته في نهاية الأجزاء ... فإلى أصحاب القلوب القوية ... أقدم لكم قصة غيرت لي حياتي على كل الأوجه الممكنة ... أسألكم الصبر ... والخيال الواسع ... والإستمتاع ... وأسأل الله ان يوفقني لكتابة الجزء الاخير الذي ستنجلي فيه أسرار الرؤى التي تأتيني ويتم تفسير الغموض المخيم على الاحداث ... بسم الله الرحمن الرحيم ...

تسارعت نبضات قلبي وأنا أجري باقصى سرعة محاولا الاختباء في أي مكان في الغابة المظلمة التي كانت تحيط بي. شعرت بأنفاسي تثقل في كل لحظة, و جسدي يضعف, وقواي تفنى شعرت بالخوف الذي يملأ قلبي يثقل خطواتي التي أخطوها في إتجاه لا أقصده في مكان لا أعلمه, هاربا من شيء لا أعرفه. ولكن غريزة البقاء لدى أي إنسان تجبره على الهرب حين يرى هذا الغول المخيف. لقد كان يجري ورائي , كنت اشعر بالأرض تهتز من تحتي في كل مرة قفز للأمام وهو يطاردني, كنت أسمع صوته يزأر كلما اقترب مني ...

أخذتني قدماي إلى كهف مهجور, لا أعلم كيف ومتى وصلت اليه ولكنني وجدت نفسي داخله, تحيط بي ظلماته, تسمع فيه صدى أنفاسي المرتعدة المتقطعة. اختبأت وراء مجموعة من الصخور علها تحميني من بطشه. سمعته يدخل الكهف , فكتمت نفسي حتى لا يعلم بمكاني وسط الصخور. بعد جولة قصيرة, استنتج انني لست بالكهف, فـاستدار واتجه للخروج. شعرت بأن الأرض التي اقف عليها بها شيء غريب, ليست مستوية, وكأنها عبارة عن كور متلاصقة, فـنظرت إلى اسفل لأرى ما اقف عليه في الضوء القليل الاتي من خارج الكهف, ووجدتني اقف على جماجم, نظرت حولي فوجدت ان أرض الكهف كلها عبارة عن جماجم وبقايا اجسام ضحاياه السابقين, فـلم استطع كتمان نفسي ... لهثت بصوت عالي, فـاستدار الغول واستطاع ان يعرف مكاني.
خرجت من مخبأي خائفا, مستسلما لقضائي وهو يقترب مني ويستعد مجددا للهجوم فتح فمه كاشفا عن أنيابه الضخمة  .. فـادركت في هذه اللحظة أنني تفصلني ثواني عن مصيري بأن اصبح كأصحاب هؤلاء الجماجم الذي استسلموا من قبلي. تمكنت من شم رائحة أنفاسه الكريهة وهو يزأر بهدوء, زأرة اخيرة هادئة تكاد تكون ضاحكة فـادركت انها زأرة انتصار! لم اتمالك دموعي التي سالت حزنا وخوفا على ما سأشعر به في الدقائق القادمة , ولم اتمالك انتفاضات جسدي القوية وهو يستعد للنيل من فريسته.
فجأة ... سمعت صوتا ينادي يقف صاحبه عند مدخل الكهف... كان الصوت مألوف ولكني لم استطع تمييزهتوقف الغول للحظة واستدار بإبتسامة ليرى الضحية الجديدة التي جاءت لتدافع عني ...
كان
يسيطر على تفكيري شيئان. أولا, إذا بدأت اجري الآن, هل سأتمكن من الهرب؟
ثانيا, من
هذا الشخص الشجاع ذا الصوت المألوف الذي أتى لإنقاذي غير مباليا بما يشكله ذلك من خطر عليه؟ ... قررت فجأة ان أبدأ في الركد, وبدأت في الركض فعلا في اتجاه منقذي عند المدخل, وبدأت أرى وجهه بوضوح كلمة اقتربت منه.
"علي, إصحى يا حبيبي, صحابك وصلوا تحت" سمعت صوت أختي توقظني من نومي, فـإستيقظت مفزوعا كالعادة...
"ايه؟" قلت
مشتتا, فأعادت عليَّ ماقالته. رفعت رأسي من على كتف جدتي التي كانت موجودة معنا في غرفة الانتظار التي كانت قد اصبحت محل اقامتنا المؤقت. فردت يداي "متمطعا" لأفيق, فـشعرت بوخزة في منتصف ذراعي. تذكرت أنني كنت قد قررت ان أنام لبضع دقائق قبل وصول بعد الأصدقاء المقربين الذين كنت قد اتصلت بهم ليأتوا للتبرع بالدم , إذا كانت فصيلتهم مطابقة. فـقد أكد الطبيب المعالج على ضرورة الحصول على اكياس دم كثيرة بشكل يومي لإبقاء والدي حيا, وموازنة كم الدم الرهيب الذي يفقده في كل دقيقة من القرحة الموجودة بمعدته, خاصة وأن أعضاء جسده كانت قد بدأت في التوقف عن العمل ... كان معرضا لفشل كبدي والتهاب رئوي حاد. كنت قد قمت بتحليل فصيلة دمي منذ ساعة في معمل المستشفى, مما يفسر الوخزة التي كنت اشعر بها بذراعي, ولكن لم تكن فصيلتي مطابقة.
نزلت على سلالم المستشفى من العناية المركزة إلى المعمل لاستكمال  البحث عن متبرعين مناسبين باعداد كبيرة.وصلت إلى المعمل باحثا عن أصدقائي, فـالتقيت بطبيبة المعمل الدكتورة بدرية.
قالت: "إنت ابن الدكتور مجدي؟"
"أيوه
أنا"
"طيب
دلوقتي أنا اتكلمت مع الدكتور اللي ماسك الحالة وقاللي إنه محتاج عدد كبير قوي من اكياس الدم , وانا ما عنديش مخزون طازج يكفي كل ده, فـلازم نلاقي حل والا الموقف هيبقى حرج جدا"
قلت
  في يأس "إن شاء الله خير, احنا اتصلنا بكذا حد, وربنا يسهل"

تذكرت
ساعات الصباح التي قضيتها في هذا اليوم أنا وعائلتي , كل منا حاملا هاتفه واقفا في أحد اركان غرفة الإنتظار, يحاول الاتصال بسرعة بكل معارفه بحثا عن فصيلة مناسبة. كنا نسابق الوقت , نلهث في رحلة البحث المرهونة بوقت قصير يكاد يكون بلوغ الهدف فيه مستحيلا. شعرت وكأننا نجري في مكان غريب, لا نريد ان ننظر إلى الخلف, ولا نريد ان نتخيل ماسيحدث إن فشلنا. وتذكرت الأمس, حين ابلغتنا طبيبة العناية المركزة بانه قد دخل بغيبوبة عميقة, وطلبت منا الدعاء.
سمعت صوت مألوف ينادي أثناء حديثي مع دكتور بدرية, فـاستدرت ووجدت أحد أصدقائي على باب المعمل ينادي عليَّ بإبتسامة ... "علي, أنا عملت تحليل قبل ماجي وفصيلتي تنفع"
ابتسمت بشدة وقلت
   "الحمد لله يا رب"
بعد ساعة كان قد وصل الكثير من الأصدقاء والأقارب وامتلأت غرفة الإنتظار بمعارفنا وامتلئ المعمل بالمتبرعين. استعد صديقي للتبرع, ونام على سرير المعمل. مسكت يده لأنني أعلم ان ابرة التبرع مؤلمة بعض الشيء, وكالمتوقع, أغمضت عيني حتى لا أرى شكل الإبرة.

وأثناء الدقيقة التي أغمضت بها عيني ... رأيتني اجري من حول الغول في إتجاه مدخل الكهف هاربا نحو صاحب الصوت المألوف, ولكنه قد بدأ يجري هو الاخر في إتجاه لا أعلمه. وصلت إلى المدخل وقررت الذهاب في الإتجاه المعاكس حتى نشتت الغول. جريت في الغابة المظلمة التي جريت بيها من قبل , وكاندوا القمر الفضي ينيرها. مرت دقائق وأنا اجري ولم أسمع صوته يتبعني, فـتوقفت لآخد نفس عميق. انحنيت من التعب واضعا كفي على ركبتي, ناظرا إلى الأرض. رأيت رماد الطائر الجميل الذي رأيته يحترق من قبل. بدأ دوا القمر في الخفوت, تركني وحدي في ظلمتي المخيفة. لاحظت ان الرماد بدا وكأنه على قيد الحياة, وكأنه يتنفس, وقليل من الدخان مازال يتصاعد منه. دفعني فضولي للمس الرماد الذي اختلطت ذراته بين اللون الرمادي والذهبي, ولكن حين إقترب إصبعي منه , انبثقت منه  شعلة مفاجئة أجبرتني على الاندفاع إلى الوراء والسقوط على ظهري. ولكن لاحظت انه قد بدأت تخرج من الرماد حبال من دخان كثيفة واضحة. نظرت إلى أعلى فـإكتشفت ان رأسي ترقد بجوار قدم قميئة نتنة ... قدم الغول!
فتحت عيني بسرعة ... بدأ الأمر يفقدني هدوء اعصابي! بدأت التساؤلات تسيطر على تفكيرى ... ما معنى هذه الرؤى المتكررة؟ وما هذه الشخصيات والكائنات الغريبة التي اصبحت لا تفارق خيالي؟ وما علاقتها بما يحدث؟ ليس هناك ترابط! ففي المرة السابقة ظهر الغول مجددا بعد ان ظننا ان الحالة بدأت تستقر وان كل شيء على مايرام, واحترق الطائر الجميل برغم أننا كنا متأكدون ان الوضع في تحسن, وحتى الآن, بعد ان اختفى الغول, وجاءت أخبار سعيدة بوصول مساعدات الأصدقاء , ولكن هـاهو يعاود الظهور! فـلماذا؟
جرت كل هذه الأفكار في دماغي وانا اصعد السلم في الطريق إلى  غرفة العناية المركزة لللحاق بميعاد الزيارة لم أكن أعلم بأن الوقت قد حان لي لأعلم معنى كل ما أراه, لم أكن اتخيل انه فعلا هناك تفسير لكل من التفاصيل التي رأيتها في خيالي, ولكن الوقت كان قد اقترب لتنجلي إلي أسرار كل هذه الكائنات ومعانيها في حدث واحد تقع عنده نهاية تساؤلاتي ... تفصلني عنه بضع أسابيع ليس أكثر... حدث سيغير حياتي إلى الأبد!

[TO BE CONTINUED]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق