الجمعة، 26 نوفمبر 2010

"فهرس اجزاء "المستحيلات الثلاثة

برجاء التأكد من قراءة جميع الاجزاء قبل قراءة الجزء الاخير ... وبعد قراءته, لمن لديه الوقت, يمكن قراءة الاجزاء السابقة بعد حل لغز الأحلام الغامضة ... فـستتضح معانى جديدة ...
أود شكر كل من ساندني في كتابة هذه القصة ... وشكر كل من حضر أحداثها الحقيقية و وقف بجواري في حاجتي ... وأتمنى ان يعطيني الله العمر لرد الجميل ...

المقدمة
الجزء الأول : العنقاء
الجزء الثاني : الغول
الجزء الثالث : الخل الوفي
الجزء الرابع : الحلم

الجزء الخامس : المعركة
الجزء الاخير : الخاتمة


المستحيلات الثلاثة (الجزء الأخير) - الخاتمة


أخيرا, شعرت
بنفسي افقد الوعي وأنا ناظرا تجاه الوجه المألوف بحركات يده الغريبة. كانت قد بدأت رؤيتي  تضعف, ولكنني رأيت قبل الظلام مباشرة, صاحب العباءة يرفع يديه إلى فمه وكأنه ينادي. فجأة, بدأت السماء من وراءه و وراء الجبال في تغيير لونها  إلى لون  برتقالي جميل كلون الغروب, على عكس السماء في الجهة المقابلة, المملوء بظلام الأفعى. سمعت صوت صياح مرتفع من الأفق. ثم رأيت ما جعلني أغمض عيناي مطمئنا. رأيت طيور عديدة ترفرف بشراسة متجهة إلى أعلى من خلف الجبال .. طيور ضخمة .. جميلة مشتعلة ... حولت اتجاهها جميعا نحوي بسرعة انهرت إلى الخلف, مرتطما بالأرض.
لا ادري كم من الوقت مضى, وأنا معزول عن العالم, لا أرى إلا ظلام, لا أسمع إلا صمت, لا اشعر إلى بالرعب والفراغ. جاء صوت مألوف, لطالما استطاع ان يوقظني من كوابيسي .. صوت أختي.
"لسة الحرارة عالية أوي؟"
"لأ  الحمد لله نزلت خلاص" .. ردت جدتي .
فتحت عيني في تردد, فـوجدتني راقد على السرير بالغرفة. لاحظت ان الضوء بالخارج يؤكد بأنه  صباح يوم جديد, مما يعني انني نمت باقي الأمس. بدأت افيق, وشعرت بملابسي كلها مبتلة من العرق, ووجهي به سخونة غريبة.
"حمد الله عالسلامة يا حبيبي ... إيه النوم ده كله؟ قلقتنا عليك"
نظرت اليهم
في حيرة ...
"حاسس بإيه دلوقتي؟" سألت جدتي .
حاولت ان أتكلم غير واثقا إن كانوا سيسمعوني. "كويس الحمد لله هو إيه اللي حصل؟"
"حصل؟ ده حصل وحصل وحصل!" اجابت جدتي "إيه يا عم الكلام ده كله؟ احنا مفهمناش حاجة"
"بجد إيه اللي حصل؟ .. علا؟" كررت سؤالي ناظرا اليها.
"قوليله على الأخبار على بال ماأجهز أنا" قالت جدتي وخرجت من الغرفة.
نظرت الي أختي بتردد. كانت دائما لدي القدرة على فهم ماتفكر به بمجرد النظر اليها, ولكن التعبر الذي رأيته هذه المرة كان جديدا .. غير مفهوم
أثناء حديثها, بدأت تدمع عيناي. فهمت معنى الأحلام والرؤى والوحوش, فهمت كيف كانت نهايتي في الكابوس. لم اشعر بنفسي إلا وأنا في مسعد المستشفى, في الطريق إلى الغرفة لاتحقق بنفسي. لم أكن لأقتنع بكلام أحد في هذا الأمر حتى اتاكد بعيناي.

كان كثيرون يحدثونني في المصعد المستشفى ولكن لم أسمع كلامهم , لم أركز به. تحركت و الهالات السوداء واضحة اسفل عيني, تحركت وظهري يؤلمني بشدة, وكان شيء ما قد أصابه, تحركت وقدماي بالكاد تحملنني.
فتحت الستارونظرت إليه, وهو راقدا محملقا بالسقف.
قلت بهدوء وتساؤل "بابا؟"
فجأة, و لأول مرة منذ شهور, رأيت والدي يدير رقبته تجاهي .نظر إلى وجهي ببرود كما كان يفعل في الأشهر الماضية ففكرت في انه لم يتغير شيء.
بدأت بإسترجاع كلام أختي بالغرفة  "علي, في أخبار حلوة, بس احنا لسة مش متأكدين ... إنت يا عم نمت وحرارتك عالية من امبارح .. وعَمَّال تهلوس في الكلام"
بدأت بإسترجاع كلام عمي, الذي إلتقى بالطبيب مع زوجته بالأمس, حين كان يحدثني بالمصعد ... قائلا:
"واللهِ
يا أولاد زي ما بقولكم كده... لقيت الدكتور بعد ماأخد المكالمةجاي علينا ببيقولنا  بكسوف, أنا آسف ... أنا كنت غلطان أنا بسحب كل الكلام اللي قلته أنا لسة جايلي تليفون دلوقتي بيقوللي إنه استجاب لاختبار الوعي لأول مرة من ساعة مادخل المستشفى ….أنا آسف إني مكنتش مصدق لما قلتولي انكم لسة عندكم أمل ….لكن اللي بيحصل ده لا يقل عن معجزة طبية بجميع المقاييس"
بدأت
بإسترجاع كلام عمي الآخرالذي حضر من الخارج وهو يحدثني بالمصعد أيضا قائلا  "الحمد لله يا رب أنا متأكد إنه عرفني إمبارح"
كررت ندائي في ترقب "بابا؟"
رأيت تعبيرات وجهه تنكمش فجأة, لم أفهم معناها! ثم بدأ في البكاء لقد كان يحاول كتمان بكاؤه في اللحظات الصامتة التي مضت. ظل ناظرا نحوي , والدموع تنهمر على وجهه.
"حمد الله عالسلامة يا حبيبي" قلت  ممسكا بيده, ولكني كنت أعلم انه لن يستطيع الرد بسبب تأثر الاحبال الصوتية بأجهزة التنفس, ولكن نظراته كانت أبلغ من أي كلام...
وكأنه
يقول "نعم اراك نعم اتذكرك نعم هناك أمل!"
في هذه اللحظة تأكد لدي فهمي لما كنت أراه في أحلامي. لقد كنت أعيش في دنيا أفكاري نفسها. تأكدت كم هو قميء ودميم الشعور باليأس ... كم يمكن ان يكون مرعبا لدرجة أنه يفقدنا أحيانا القدرة على التفكير, الكلام, الحركة كم يمكن ان يتمكن منا فـيظلم عالمنا ويحوله إلى كابوس, وكم هو سهل ان ننجرف إلى كهوفه المظلمة, ونصبح كمن عاشوا فاقدين أرواحهم مجرد جماجم خالية
ادركت كم هي عظيمة نعمة الأمل وكم من المرات يموت بداخلنا محترقا بآلامنا و تشاؤمنا ... ولكنه مقدرا له ان يرقى من جديد, ويدخل في الصراع الضاري الأبدي بينه وبين اليأس.
ادركت كم هو مهم ان نكون على استعداد ان ننفق كل مالدينا من أمل في مواجهة يأسنا حتى نستطيع ان ننهض من جديد ونتعلم من تجاربنا بدلا من ان  نخرج منها أسوأ مما دخلنا, ضعفاء, أسرى للشفقة على النفس والبكاء على الأحلام الضائعة.
ادركت اهمية الإيمان الحقيقي بالله فـيلازمنا كالصديق الوفي مهما مضى من الوقت دون ان نراه, يبقى وجهه مألوفا في وسط ظلمة كوابيسنا, يبقى معه الحل الذي ينقذنا حين تفشل كل الطرق الأخرى يأتي لنا إيماننا بالله بالأمل من كل من حولنا لينير سمائنا, حتى وإن كنا قد فقدنا أملنا كله في معركتنا مع اليأس.
تعلمت في هذا اليوم الا استسلم لغول اليأس مهما بدا قويا  ... ان أبقي على ايماني بالله ورضائي بقضاءه, مهما زاد ابتلاءه ... فهذا الايمان لي كالخل الوفي الذي يستطيع ان ينقذني في اللحظات الحاسمة, والذي يبقى بجانبي , في صفي مهما فعلت ...
تعلمت ان أرى الأمل في رماد احلامي , وأن اتوقع أفضل النتائج حين تشير كل مؤشرات الى عكس ذلك ان انتظر لتظهر حكمة الله تعالى من كل شيء يحدث والتي قد لا تكون واضحة آن ذاك ... ولكنها تتضح لمن يصبر بالقدر الكافي
....
اظلمت أفكاري ببطء, وخفتت أصوات بكاء كل من بالغرفة تأثرا بعظمة الموقف واستجابة الله تعالى لدعائهم. شعرت بكل القوة التي أمتلكها تزول وبعد لحظات من الهدوء والظلام
فجأة سمعت صوتا يأتي من بعيد
...
"بمبة ادتني بمبة بمبة حد فقعني زومبة" ...
 أتى صوت بمبة أبوالليف مجددا من سماعة العربية اللادا الحمراء من تحت المنزل استيقظت من تساؤلاتي واحلامي  ... تذكرت أين أنا, وتذكرت التحدي الذي طرحته على نفسي, لأتخيل احتمال وجود المستحيلات الثلاثة في الحياة.
نظرت امامي ورأيت الآية القرآنية المعلقة في برواز بغرفتي منذ أعوام .. "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"
وجدت
ال laptopمفتوحا على صفحة من نتائج البحث الذي قمت به لمعرفة المستحيلات الثلاثة قبل أن أبدأ بتخيلهم. ذكرت الصفحة المستحيلات الثلاثة المتعارف عليهم من قديم الأزل في عدة حضارات. أولا, طائر العنقاء طائر شديد الجمال يعيش الفين سنة ثم يحترق في عشه, ويولد من رماده طائر عنقاء اخر أقوى من ذي قبل. ثانيا, الغول كائن مرعب ضخم ياكل البشر, يظهر على فترات بعيدة. ذكر في بعض المراجع انه يشبه الإنسان ولكنه ضخم وكثيف الشعر ذا ملامح متوحشة, وفي مراجع أخرى أنه على شكل ثعبان اسود كبير يلتهم مايريد. أتت من أسطورة الغول شخصية  أمنا الغولة". والمستحيل الثالث هو الخل )الصديق) الوفي الذي يبقى معك مهما فعلت.
 بالرغم من انني أؤمن بوجود المستحيل, إلا انني لا أعتقد انه لا يجب علينا الاعتراف بوجوده. يجب ان نكون نحن من نحرك الاحداث ونحن من نصنع الفرص, ونحن من ندهس اليأس والمستحيل تحت أقدامنا بالأمل بالصبر .. بالايمان بالله والرضاء بقضاءه
اليوم, استطاع والدي ان يتغلب على الشلل الربعي كاسرا كل القواعد, وضاربا بتوقعات الأطباء عرض الحائط .. يستطيع اليوم تحريك جزء معقول من أطرافه, ولكنه لم يشفى شفاءا كاملا إلى الآن. فلنتعلم كلنا من صبره درسا  و لنأخذ من تجربته مع الله وايمانه به عبرة ولندعو له بالشفاء
قررت ان أبدأ بنفسي فـإستطعت ان أثبت لنفسي ان المستحيلات الثلاثة المعروفين ليسوا مستحيلات بمعنى الكلمة فـثلاثتهم موجودين بداخل كل واحد منا في صراع ليس له نهاية ... صراع يحدد مسار حياتنا ... صراع يغير كل شيء بداخلنا إلى الأبد ... فـيا ترى .. أي منهم سندعه ينتصر؟