الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

المستحيلات الثلاثة (الجزء الثاني)- الغول

ملحوظة: هذا ال post هو الجزء الاول من اربعة لسلسلة بعنوان "المستحيلات الثلاثة" ... انصح بقراءة الاجزاء السابقة قبل قراءة الجديد ... واعتذر مقدما إن كان هذا ال post مقبضا بعد الشيء ... و لكنه مبني على قصة حقيقية ... ليس الهدف من عرضها هو استعطاف الاخرين أو استغلال ماحدث بالشكل الخاطئ, ولكنه ببساطة عرض لقصة بسياق معين ... تظهر العظة منه والحكمة من روايته في نهاية الأجزاء ... فإلى أصحاب القلوب القوية ... أقدم لكم قصة غيرت لي حياتي على كل الأوجه الممكنة ... أسألكم الصبر ... والخيال الواسع ... والإستمتاع ... وأسأل الله ان يوفقني ل كتبت بقي الأجزاء الثلاثة ... بسم الله الرحمن الرحيم ...

بعد ساعة أو أكثر, مرت علينا كالقرون, تم نقله إلى غرفة العناية المركزة, وقيل لنا أنه قد أفاق, وان باستطاعتنا رؤيته لدقيقة واحدة. دخلت أختي أولا, ثم دخلت أنا. من زيارات سابقة لغرفة العناية المركزة, كنت أعلم ما عليَّ توقعه
اضاءة ضعيفة وجوه شاحبة صمت مقبض ليس فيه من الحياة إلا صوت أجهزة قياس نبض القلب صوت صافرات  ضعيفة متتابعة موترة ... وستائر تحيط بكل سرير ... ومكتب في المنتصف تقف حوله الممرضات يمزحون كالعادة وسط كل هذا العناء ... وعلى الحوائط  خلف كل سرير , بضع أجهزة لقياس مؤشرات القلب والنفس لم اكن أعلم إن كنت أنا الذي اتخيل انني أفهم مايظهر على هذه الشاشات فعلا, وبالتالي أعلم حين يحدث اضطراب, ام انني لا علم لي بهم, وهذا هو الوضع الطبيعي ولكن , لا يمكن الحكم من خبرتي أنا ... فـمعظم الشاشات التي تابعتها لأيام وشهور كانت لمن هم في نهاية المطاف رحمهم الله جميعا

مشيت بخطوة مترددة نحو سريره, بعد ان شلت قدمي لبضع ثواني, استغرقتها لأعيد الألفة التي تربطني بالغرف المماثلة لهذه ... فـوجدته قد أفاق فعلا! اخذت نفس عميق كان محبوسا منذ ساعات
قلت بصوت مرتعد :"إزيك يا حبيبي ..حمد الله عالسلامة"
"متقلقش عليا, أنا
بقيت كويس الحمد لله" جاء الرد بإبتسامة في محاولة لتهدئة السامع, ولكن لم يكن هناك رجاءا من هذا!
استأذنتنا الممرضة ان تعطيه حقنة, فـسمحنا لها. امسكت أنا بيده, و أغلقت عيني, فـكما هو معروف عني, أنا أكره الحقن.
رأيته مجددا...
مازال يحترق ولكنه قد توقف عن الغناء ... هو فقط ناظرا إلى الأعلى, صامتا شامخا مشتعلا
كنت أحاول ايجاد رابط بين مايحدث وما أراه. فـإن كان هذا الطائر له علاقة بما يحدث ,فـلماذا لم تهدأ ناره؟ ولماذا توقف غناءه؟
"خلاص يا علي" قال أبي ... فـاستدرت له, وقبلت جبهته, وطمأنته علينا و طمأنني عليه, وانتهت دقيقة الزيارة الاستثنائية, فـاضطررنا لإنهاء المحادثة فجأة. خرجت من الغرفة غير مصدقا مايحدث, مسترجعا السرعة التي تدهور بها  في غضون ساعات, والسرعة التي استعاد بها وعيه وادركت ان هناك شيء غير منطقي شيء غريب...
بعد ساعتين كنت في سريري, بعد ان عدت إلى المنزل .فقد اطمئنينا عليه, وقيل لنا أنه من الأفضل ان يبقى بالمستشفى حتى اليوم  التالي لإجراء بعض الفحوصات ومعرفة سبب ماحدث.
"مفيش
خطر دلوقتي الحمدلله الحالة مستقرة" ورغم عدم اقتناعي بما يحدث, أقنعت نفسي بحقيقته, وأقنعت نفسي بأن الخطر قد زال, وأغمضت عيني لأنام بعد هذا اليوم المرهق ...
سرعان ما دخلت في النوم على غير العادة ... وبعد دقائق ظهر مجددا
مازال صامتا مازال محترقا قد بدأ يتبدد قد بدأ يتحول تدريجيا إلى رماد وكان الدخان النابع  من رماده له لون غريب ... وكأنه مرآة عاكسة.
مع إحتراق آخر أجزاءه, ظهر على سحب الدخان المتصاعد إنعكاس لشخص ما من خلفي. له جسم غريب مشابه لجسم الإنسان ولكنه يكبره حجما . لم  استطع تمييز ملامحه, فـاستدرت لأسأله عما يحدث, وعن علاقة كل هذا بالواقع الذي اعيشه, ولكن اختنقت الكلمات بحلقي.
رأيته بوضوح وجهه مازال محفورا بذاكرتي إلى الآن ...
جسم ضخم, ملامح فظة, جسده مقزز كثيف الشعر أنيابه طويلة مسنونة ملطخة بدماء آخر ضحاياها .لم استطع تمييز لون عيناه الممتلئتان بالغضب لم أكن متأكدا من وجودهم أصلا بين طيات وجهه, ذا الجلد المتجعد! لم أنفك أنظر  اليه وقد قبض على قلبي الرعب, و احاط بجسدي البرد, وفقدت السيطرة على كل شيء ...
تحرك الكائن إلى وضعية جديدة وكأنه يستعد إلى الهجوم مد ايديه ببطء في اتجاهي .. فـرأيت اظافرهطويلة متسخة.
ولكن اوقفه صوت واحد إخترق الصمت المحيط بعالمي ...
صوت صراخ رهيب يأتي من بعيد … صراخ مرتفع صخب, من صوت ضعيف مستنجد ...
صراخ
 يكاد يكون مستحيلا في حد ذاته … يكاد يصم الآذان ... صراخ جعلني أسأل نفسي ...
أين أنا؟ ...
استدرت ممتلئا
بالفضول لأنظر مجددا إلى رماد الطائر حيث مصدر الصوت  ...

وفجأة
انطلق صوت المنبه عاليا, فـإنتفضت مستيقظا . استغرقت دقيقة لإسترجاع مارأيته من صور وما حدث من احداث ... هل كان كل هذا حلم؟ ...
اعتدلت في جلستي في السرير لأكمل افاقتي, و اذ بالباب يفتح , و رأس أختي يطل
"إنت صحيت؟"
"آه"
"أنا جاهزة خلاص, يادوب ننزل عشان نلحق ميعاد الزيارة"

وصلنا إلى المستشفى متوقعين ,كما قيل لنا, ان نكمل اجراءات خروج والدي والحصول على تقرير من الطبيب المعالج عن سبب ماحدث. ولكن, ما وجدناه كان مختلفا تماما استقبلتنا الطبيبة أمام غرفة العناية المركزة قبل ان ندخل ,و أبلغتنا أنه قد بدأ النزيف الداخلي من جديد في ساعات الليل, وانه قد فقد جزء كبير من الدم الموجود بجسمه, وان مستوى الهيموجلوبين (كرات الدم الحمراء) قد انخفض بضراوة إلى تحت المستوى الطبيعي لأي إنسان مازال على قيد الحياة ... كان باب غرفة العناية المركزة من خلف الطبيبة يفتح ويغلق كل دقيقة تقريبا من الممرضين والاطباء الاخرين الذين يباشرون عملهم مع باقي المرضى.

كلما فتح الباب, وجهت نظري داخل الغرفة الصغيرة الموجودة بين غرفة الانتظار وغرفة العناية المركزة. لم أكن أعلم ماكنت أتوقع رؤيته بالظبط, ولكن الفضول والقلق كان مسيطرا تمام السيطرة علينا جميعا. كل ماتمكنت من رؤيته في كل مرة هو ركن من اركان الغرفة الصغيرة بما يحويه من إضاءة خافتة خانقة.

قالت: "الأخبار الكويسة هي إننا عرفنا سبب المشكلة, هو عنده قرحة كبيرة جدا في المعدة, والنزيف الداخلي هو اللي مسبب المشاكل دي كلها طبعا احنا محتاجين اكياس دم طازجة في الأيام اللي جاية عشان نعوض اللي بيفقده"

فتح أحد الممرضين الباب, واندفع للخارج حاملا بعض الأوراق, وفي الثانية التي استغرقها للخروج, استرقت النظر إلى نفس الركن الداكن ... ولكن رأيت هذه المرة عيون  حمراء محدقة بي ... تنظر الي بعدائية وغل تزداد غضبا في كل ثانية ... ادركت بسرعة ان هذا الوجه مألوف لدي ... نعم, انه هو .. نفس الوجه القميء المقبض احمرت عينيه وبدا وكأنه يزداد قوة في كل ثانية ...

و للحظة بدا الأمر جليا بالنسبة إلي ...فجأة, فهمت سبب ظهوره في كابوس الأمس, وسبب توقف الطائر عن الغناء فهمت بأن ان الكابوس مازال فقط على وشك ان يبدأ!
"هو دلوقتي في كوما واحنا بنعمل كل اللي نقدر عليه ... ادعوا له!"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق