الجمعة، 18 فبراير 2011

شكلها هتظبط


"بسم الله الرحمن الرحيم, ايها المواطنون, في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد, قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية, وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد و الله الموفق والمستعان"

هناك مواقف في حياة الإنسان يعجز فيها الكلام عن التعبير , مواقف يتغلب فيها الوجدان والواقع على العقل, بحيث لا يتوفر فيها الوقت للإستيعاب, ولا يسعك إلا أن تبتسم ابتسامة بلهاء من أعماق القلب, حتى وإن كنت لا تزال في حالة نكران داخلي تجاه مايحدث. هكذا مضيت الأسبوع الماضي.

ولكن اليوم... بعد أسبوع من ان اصبح لدينا رئيس سابق, اليوم ... بعد بدء القبض على رموز النظام السابق, اليوم في جمعة النصر وأنا أشاهد ملايين المصريين يهتفون معا بأن تحيا مصر   وأنا اتذكر صور الشهداء واتذكر ميدان التحرير, بعد أسبوع من عدم الإستيعاب …. اليوم حقا لا استطيع تمالك اعصابي من البكاء.
اليوم ليس هو الذي أرصد فيه ماحدث أو اتكلم بصوت العقل, ليس اليوم الذي أتوقع فيه ماسيحدث أو أشكك في مصداقية القوات المسلحة, ليس اليوم الذي ادعو فيه إلى التعقل والإنتباه لما هو قادم  ... لأنني اليوم أفيق, وأدرك ماحدث من أسبوع. تعتلي وجهي ابتسامة عريضة غير بلهاء, أضحك على أتفه الأشياء كمن يعيش قصة حب جديدة, وأبكي حين أسمع الأغاني الوطنية التي كنت قد مللتها من قبل اليوم أحتفل!

اليوم أسمح على غير العادة للطفل بداخلي أن يتحدث على الملأ ويفرح دون قيود, دون أن يعي هم المستقبل كما علمته الحياة. قد أكون متأخرا كثيرا في هذه الحالة التي انتابتني, قد يكون الوقت قد حان لاتحدث عن قضايا أكثر أهمية من ذلك, ولكنني لست محللا سياسيا, و  "لم أكون انتوي" مناقشة قضايا سياسية حين بدأت هذا المنتدى. كانت نيتي فقط هي تسليط الضوء على قضايا اجتماعية معاصرة ماشية  "بالعكس",ولكن اليوم بالعكس, أخالف حتى هذه القاعدة, واتحدث عن شيء غاية في الاستقامة والاعتدال. لذا اسمحوا لي ان اتحامل عليكم , ولا اقوم بحرمان نفسي من حالة النشوة الاخاذة التي تأخرت عليَّ كثيرا. كثيرعدد من يحللون ويتوقعون و يستنتجون, لكن بصراحة كده, انهارده  "مش طالبها" ... انهارده بأقول اللي عايز أقوله وخلاص.

أبدأ بشيخ المسجد الذي أصلي به الجمعة, والذي تحدثت عنه من قبل. من أسبوع واحد, وفي نفس المكان, ومن نفس المنبر ونفس المسجد نعتني هذا الشيخ وغيري بالمنافقين لأننا كنا  في حيرة من أمرنا غير قادرين على اتخاذ موقف من  "المخربين المفسدين الذين لا يريدون ايقاف التظاهر". واليوم يقول "هذا لانه لا يخاف الله, لأنه لم يكن يستمد قوته من الله, بل من الكرسي الذي تمسك به بكل مالديه من قوة, ولكن الله تعالى اظهر كلمة الحق و أراه أنه هو الحكم فوق كل شيء ... يعز من يشاء ويذل من يشاء". اتسائل من المنافق الآن؟ يا شيخ اتقي الله 
.
كثيرة هي امثال هذا الشيخ ممن تحولوا تحول مذهل مستفز , ولكن قد فات الأوان يا من تنصح الناس بأن يفيقوا قبل فوات الأوان. قد فقدت احترامي لك ولكل من تخلي عن بلدي في محنتها. تستفزني معظم الأغاني  "الوطنية" الجديدة التي ظهرت تحيي الثورة وتحيي شهداء التحرير وأبطاله, وكأن الثورة حدثت في يوم وليلة, وكأن الشعب لم يقضي 18 يوم محاربا وحده الفساد والظلم والقمع, وحده دون تغطية اعلامية مصرية, دون مساندة من  "رموز المجتمع" من فنانين و مغنيين وممثلين, دون حماية من الجيش  "المحايد", دون رحمة من بطش الشرطة والأمن المركزي. أين كنتم؟ قد فات الأوان. قد تذكر الجميع انكم لستم رموز المجتمع, فكيف لرمز ألا يعبر عن المرموز له؟ قد يهللوا لكم, قد يسمعون اغانيكم, ويشاهدون افلامكم, قد يكون الكثير منها حتى عن الثورة, ولكن من المستحيل ان يعود لكم الإحترام الذي كنتم تنعمون به عن غير استحقاق.

أثبت المصريون لكم وللعالم أن إرادة الشعوب في غنى عن دعم الجميع, فـحين تقول الشعوب كلمتها, يصمت الجميع ليسمعوا ويتعلموا ما حاولوا ان يتجاهلوه لعصور. اثبت المصريون ان الحرية والكرامة والديمقراطية الحقيقية لا تأتي بغزو دول تحت مسميات زائفة, ولا تأتي بالعنف والتدمير. اثبتوا للتاريخ ان الغاية لا تبرر الوسيلة, وأن الصوت الحق يعلو فوق كل شيء , حتى وإن طال غيابه.

فليتعلم العالم الدرس جيدا, وليذكر التاريخ كيف نطقت أم الدنيا فـخسفت الأرض بمستبديها لمدة 30 عام في 18 يوم. لتقطع جميع الدفتر القديمة, و لتنسى القصائد التي كتبت لامجاد مضت. احترامي الكامل لها , قد تعلمنا منها مصريتنا, ولكن قد حان الوقت لنصنع تاريخنا بايدينا, قد حان الوقت لنكتب نحن بطولات عصرنا, عن جيل مصر الجديد, قد حان الوقت لنكتب قصائد وقصص نرويهـا لاحفادنا ليتعلموا منا لا من غيرنا مصريتهم. لننتظر يوم 25 يناير من العام القادم لنتذكر الأيام الأكثر تاثيرا في تاريخ مصر الحديث في اول احتفال بعيد الثورة والتحرير. لننتظر باشتياق كتب التاريخ و الدراسات الاجتماعية الجديدة التي سنقرأ فيه عن انفسنا كما قرأنا لأعوام عن سعد زغلول ومصطفى كامل. لنعمل جاهدين الاستعادة مكانة مصر والمصريين بين دول العالم. لمن منا دون الثلاثين عام, لنشتاق لمصرنا كما لم نراها من قبل, لنتوق إلى بلادنا كما حلمنا بها ولم ندركها, لنتطلع اليها كما ذاكرناها ولم نعشها. لنعترف بأن الصعب مازال أمامنا, ونقدم عليه بالبسالة والوحدة والحكمة التي اظهرناها في ثورتنا.

لنتذكر عبد الدهر ان لكل فرد قيمته, وأن الايمان بالهدف هو السبيل لتحقيقه. لنستعيد آمالنا واحلامنا التي سلبت وشوهت على مدار ربع قرن. اليوم لدينا كل الحق لنتفائل ونخطط وننظر إلى الأمام مرفوعي الهامة. لنتذكر أننا المصريون الذين علموا العالم من قبل, وليس بجديد علينا ان نعلمه مجددا, حتى وإن طال صمتنا, فهكذا تكون الأمم العظيمة.قد ترقد صامتة لقرون, ولكن حين تتكلم يسمع الجميع ليتعلم.

بـاراك أوباما: يجب أن نربى أبنائنا ليصبحوا كشباب مصر
رئيس وزراءايطاليا: لا جديد فى مصر فقد صنع المصريون التاريخ كالعادة
رئيس وزراء النرويج: اليوم كلنا مصريين
رئيس النمسا: شعب مصر أعظم شعوب الارض و يستحق جائزة نوبل للسلام
السى ان ان: لاول مرة نرى شعبا يقوم بثورة ثم ينظف الشوارع بعدها
صحفى يطلب من رئيس الوزراء البريطانى تدريس الثورة المصرية فى المناهج البريطانية

فقط في مصر, ثورة ضاحكة. فقط في مصر, زواج وكتب كتاب من أرض المعركة. فقط في مصر, يتنافس المتظاهرون لكتابة التعليقات الأكثر اضحاكا على لافتاتهم. فقط في مصر, يقوم المتظاهرون بعمل زار بلدي لصرف الرئيس عن الحكم. فقط في مصر, تجد بائعي ترمس و بطاطا ولب داخل التظاهرة, وتجد ايضا  "حلاق الثورة (مجانا)". فقط في مصر , تجد لافتة على نخلة مكتوب عليها  "والنبي ما طارحة بلح غير لما يمشي". فقط في مصر, يتم بناء مسرح صغير على أرض الاعتصام ويغني منه الموهوبين الهتافات مع العزف على الجيتار. فقط في مصر, يغني العالم بمختلف لغاته هتافات الثورة دون حتى ان يعلم معناها. فقط في مصر, يتمصر كل شيء, حتى الثورة. قد لا نكون من اخترعنا سفن فضائية بمليارات الدولارات لاستكشاف القمر, ولكننا من علمنا العالم في 18 يوم كيف تكون الثورة في العهد الحديث, نحن من جددنا لديهم الأمل في قوة الحرية والحق وإرادة الشعوب, ويكفيني هذا فخرا.

ألا ننسى  "مصر تتحدث عن نفسها"....
"وقف
الخلق ينظرون جميعا كيف ابني قواعد المجد وحدي,
وبناة
الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي,
أنا
تاج العلاء في مفرق الشرق, ودراته فرائد عقدي,
إن
مجدي في الأوليات عظيم, من له مثل أولياتي ومجدي."
وليس هناك ابلغ من هذه الابيات للتذكير بماضي مصرنا العظيم

وأخيرا, أوجه رسالتي ورسالة المصريين .يا من لعرض بلدي هتك, اليوم فقدت شرعيتك. اليوم استرد بلادي, وتفقد انت حريتك. اليوم استعيد امجادي, وتفقد انت كرامتك. اليوم ليلك عليك سرمدا, فقد استعدنا شمس أملنا, رب دمها نعمة, بحق جلالك وعزتك.

"حفظ الله مصر , وشعبها, وسدد على الطريق خطاها, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"

تحيا مصر!