الأحد، 14 نوفمبر 2010

المستحيلات الثلاثة (الجزء الأول): العنقاء



ملحوظة: هذا ال post هو الجزء الاول من اربعة لسلسلة بعنوان "المستحيلات الثلاثة" ... انصح بقراءة الاجزاء السابقة قبل قراءة الجديد ... واعتذر مقدما إن كان هذا ال post مقبضا بعد الشيء ... و لكنه مبني على قصة حقيقية ... ليس الهدف من عرضها هو استعطاف الاخرين أو استغلال ماحدث بالشكل الخاطئ, ولكنه ببساطة عرض لقصة بسياق معين ... تظهر العظة منه والحكمة من روايته في نهاية الأجزاء ... فإلى أصحاب القلوب القوية ... أقدم لكم قصة غيرت لي حياتي على كل الأوجه الممكنة ... أسألكم الصبر ... والخيال الواسع ... والإستمتاع ... وأسأل الله ان يوفقني ل كتبت بقي الأجزاء الثلاثة ... بسم الله الرحمن الرحيم ...
 (http://alygamay.blogspot.com/2010/11/blog-post.html    (Links to previous posts 
قبل بضع شهور من أن أتم 18 عاما من العمر (وهو لمن لا يعلم, السن القانوني للحصول على رخصة قيادة مصرية), بدأت في أخذ دروس لقيادة السيارة . في هذا اليوم بالذات كنت جائعا جدا, وحين انتهت الحصة كالمعتاد قبل ميعادها, قررت ان اطلب سندويتش (أو كما يسمونه باللغة العربية الفصحة "شاطر ومشطور وبينهما طازج" (من عمو حسني المجاور لمدرسة السواقة قبل ان آخذ تاكسي للعودة إلى المنزل.
استلمت ماطلبته, وووقفت كثيرا في انتظار تاكسي, ولكن لم يحالفني الحظ. فقررت ان أمشي إلى البيت,ناسيا ان هاتفي المحمول قد نفذت بطارياته. لم تكن المسافة كبيرة, وقد كنت محتاجا هذه الربع ساعة لتصفية دماغي من احداث الجامعة المستفزة المعتادة  قبل البدء في إجازة  العيد. مشيت وبدأت في أكل السندويتش, و كم كنت أهوى المشي وحيدا في ليالي ديسمبر الباردة التي تبقي قائدي السيارات المزعجين في منازلهم. كنت أستمتع بالهدوء والسكينة الغير معتادة بشوارع مصر الجديدة هذا الهدوء الذي افتقدته كثيرا منذ ذاك الوقت, فـقد كان هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة العاصفة التي غيرت حياتي إلى يومنا هذا.


لسبب مارأيت في خيالي صورة طائر جميل, يصعب وصفه بالكلمات ... كان شكله خيالي بدرجة تجعل من رآه يستطيع بالكاد استرجاع شكله, ولكنه من المستحيل عليه نسيان هذا الشعور الأخاذ بالإنبهار. كان لونه ذهبيا على مااعتقد, ضخم, له ذيل طويل منساب يتبع المسار الذي يطير فيه. وفي منتصف رأسه من الأعلى  يخرج  عرف طويل جدا, منساب أيضًا, عرف يعطي من يراه شعورا بهيبته وعظمته. لا استطيع تذكر وجهه, ولكني متأكد من طول عنقه ورفعها , ويحيط ببدايتها هالة بيضاء منيرة. فرد جناحيه  الكبيرين, كحجمه هو نفسه, واتذكر انني سمعت صوته  يغني, غناءا جميل, يجعل سامعه يبكي من رقته وسحره. ولكنه لسبب ما, لم يرتفع كثيرا عن الأرض في طيرانه, في الثواني الذي رأيته فيها.

وصلت إلى المنزل, صعدت الدرج, فتحت الباب وأنا في حالة نفسية مشرقة.
"بابا
تعبان قوي قالت أختي بصوت قلق.
"تعبان
ازاي يعني؟ مالو؟"
"مش
عارفة! منزلش الشغل ومكنش عايزني اكلمك عشان مقلقكش"

صعدت درج منزلنا مسرعا للاطمئنان عليه. دخلت غرفته المظلمة. كنت احدثه وهو بالكاد يرد علي. عادة ما كان يرتفع ضغطه كثيرا, ولكنه كان يرفض الذهاب إلى طبيب ويطلب منا ألا نقلق, ولكنه لم يفعل هذا هذه المرة. لم أكن أعلم إن كان السبب في ذلك هو  عدم قدرته على الكلام, أم شعوره بأن الموضوع أكثر خطورة من المعتاد. بدا التدهور واضحا مع مرور كل ثانية, فطلبت من جدتي وعمي الحضور فورا .

حين أتوا, بدأوا يحدثونه ليستطيعوا تقييم الموقف, وكانت النتائج مقلقة. قمنا بإضاءة الغرفة المظلمة, وفوجئنا بوجهه وقد خلا من اللون, أبيض تماما! وهو يقول انه يشعر بألم شديد في جسمه كله. حاول النهوض ولكنه انهار للخلف مجددا بعد ثوان. الغريب أنه لم يفقد الوعي تماما, فقد كان مستيقظا, ولكنه لا يشعر بشيء من حوله. بعد ان طلبنا الإسعاف بدقائق, بدأ في فقدان القدرة على التنفس بالتدريج , وبدأ في إصدار أصوات غريبة ... لم أكن أعلم إن كانت أصوات اختناق أم  استنجاد. للحظة اخذنا كلنا خطوة إلى الوراء في صدمة من سرعة الاحداث , وكم التدهور الغير منطقي الذي يحدث في كل ثانية.


اجبرت أختي بسرعة على الذهاب إلى الغرفة المجاورة حتى لا ترى هذا المنظر المرعب. اخذتها في حضني  لبضع ثواني محاولا تهدئة رجفتها. ضغط عليها كثيرا بين ذراعاي, وأغمضت عيني  محاولا ان أهدأ أنا الأخر, فـلم يكن هناك من الإشارات مايدعو للتفاؤل أو الأمل. فحتى أعينه قد إختفىسوادهما إلى الأعلى

أغلقت عيناي ...

 و رأيته مجددا


في وسط غناءه, نزل إلى الأرض ... وعلى وجهه علامات الألم ... ضم أجنحته أمامه, و أغلق على جسده بهما, و مازال الغناء مستمرا ولكن مع كل هذا الألم, اصبح استمرار اللحن الجميل  أكثر غرابة. فجأة, فتح الطائر جناحيه على مصراعيهما, و انبثق لهب حار من جسده كله. اشتعلت نيران ضارية من الهالة البيضاء التي كانت تحيط برقبته, وامتدت في لمح البصر إلى أجنحته و ذيله وباقي جسمه.

فتحت عيناي من هول ما رأيته مرعوبا, وقلت  لأختي ان تنتظر في الشرفة حتى نعلم فور وصول الإسعاف إلى المنزل, فـوافقت من ربكتها, وذهبت. عدت بسرعة إلى غرفة أبي, فـوجدت حالته قد ازدادت سوءا, وهو يحارب للحصول على نفسه, ويقاوم جلسته فـيحاول القيام وهو ينتفض, فـيقع للخلف بعد بضع ثواني من الوقت وبضع سنتيمترات من ارتفاع ظهره عن السرير. وجهه  شاحب بـدرجة  غير منطقية, وسواد عيناه غائبين, وفمه مفتوح على مصراعيه.

لا أعلم كم مررمن الوقت على هذا الحال, فقد مرت عليَّ الثواني ساعات وسنين .

"وصلوا وصلوا, هما تحت خلاص!" قالت أختي وهي تجري إلى الغرفة. بعد ثواني, دخلت طبيبة الإسعاف  إلى الغرفة , واخذت القرار بنقله إلى المستشفى على الفور. كانت قد اتت ومعها رَجل واحد  في السيارة. نقلنا والدي ,الذي لم يمنعه غيابه عن الوعي من  الانتفاض  المستمر, إلى السرير المتنقل. لا أعلم إلى يومنا هذا كيف استطعت أنا ورَجل الإسعاف وعمي الذي يقرب عمره من ستين عاما, والذي لم تمض بضع أعوام على شفاؤه من جلطة في القلب, ان نحمل هذا السرير الثقيل وحدنا, وان ننزل به على درج منزلنا الشديد الضيق, ثم درج العمارة, وتحميله داخل سيارة الإسعاف.

اتذكر في سيارات الإسعاف انني ظللت أطمئنه بصوتي وأنا جالس بجوار السائق في الطريق إلى المستشفى. لم أكون أعلم إن كان يسمعني ام لا, ولكني لاحظت في مرة من المرات التي التفتت  فيها إلى الخلف ان طبيبة الإسعاف الصغيرة في السن, قد ارتبكت وبدأ الرعب يظهر على وجهها هي الأخرى في الوقت الذي جلبت فيه حقنة غريبة الشكل وحقنتها في صدره. نظرت امامي, فـوجدت شارع المستشفى مزدحم للغاية والسير متوقف بسبب اجازة يوم الخميس السابق لاجازة العيد. لم اشعر بنفسي حين نزلت من السيارة وبدأت أصيح في قائدي السيارات كالمجنون ليتحركوا ... وفي وسط صياحي وركضي بين السيارات, استوقفني للحظة منظر يأخذ الأنفاس.

رأيت في نهاية الشارع المظلم المزحوم الطير المحترق, ناظرا إلى السماء, مغنيا متألما. لم استطع تقدير حجمه حين رأيته في المرات السابقة, ولكن حين ظهر هذه المرة, مدويا  محترقا بين المباني ... وجناحه  يكاد يطيح بأعمدة النور الموجودة بالشارع ... لم أصدق عيناي ... مرت ثواني وأنا محدق بهذا المنظر الغريب , حتى أيقظني صوت مألوف من خلفي ينبأني بأن السيارات قد استجابت وتحركت, ويدعوني لدخول غرفة الطوارئ...

[TO BE CONTINUED]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق