الجمعة، 4 فبراير 2011

مجرد حالة




تأتي مواقف في حياة الإنسان, يجبر فيها على اعادة التفكير في المسلمات ... أوقات يضطر فيها إلى إلغاء ما اعتاد من طاعة وعقلانية ومنطقية, فـما يحدث في هذه الاوقات مخالفا لكل قواعد المنطق والعقلانية والمعتاد عليه. تشهد مصر هذه الأيام أحداث من الصعب ايجاد وصف لها, احداث قد تغير التاريخ , ولكنها من الأكيد انها غيرت و ستغير الكثير بداخل كل واحد منا. الاحداث أسرع من ان يرصدها التاريخ, وأكبر من ان تكتب في مقال واحد, واعقد من أن تناقش على هذه الصفحة. الجميع  يتسابق ويتصارع, حتى أن البعض بدأ ينسى أصل الموضوع. يجبر المواطن المصري اليوم على ان يختار احد المواقف. يحاول كل طرف بضراوة ان يضم الرأي العام إليه, و يستخدم اساليب لم اتخيل بحياتي ان أراها تحدث فعلا. ولكن يطول الحديث في مناقشة كل منهم وأي منهم هو الصواب. من أتى منكم اليوم يقرأ ما أكتب لإيجاد إجابة أو لايجاد مايعينه على تكوين رأي أو اتخاذ موقف, فـله اسفي وإعتذاري ... حقيقة الأمر, انني وعلى غير العادة ليس لدي إجابة  ليس لدي موقف  قد تعطلت اجهزتي كلها أمام مايحدث, و اصبحت عديم النفع.

تعطل قلمي, لا بسرعة الأحداث, ولا بمدى تعقيدها, ولكن لسبب آخر مازلت أجهله. قد يكون انني غير مصدق لما يحدث, قد يكون لأن حالي كحال الكثيرين الآن الغير مستوعبين, أو الذين لا يريدون الاستيعاب على مستوى باطن من الوعي. اصبحت مفقودا, تحاول طبيعتي المتأصلة لتقصي الحقائق إيجاد تفسير أو إجابة حتى وإن كانت غير منطقية, وتقوم بذلك دون حتى موافقتي. اجد نفسي وحيدا بغرفتي مجبرا على مواجهة أسئلة أصلا غير منطقية, مثل  "وإنت يعني عايز البلد تخرب؟" أو "بذمتك مصدق اللي بيتقال؟". نعم محاولاتي للتهرب من تلك الاسئلة قد تكون بها شيء من السلبية, قد تكون فكرة كتابة هذه الكلمات أصلا سلبية في حد ذاتها, ولكني لم أقل اني جئت اليوم أحلل أو أنقد أو اتناقش. بل جئت فقط أعبر عن حالة, انتابتني في الأيام القليلة الماضية. كنت مرعوبا ان تكون هذه الحالة خطأ أو عيب, ولكني أدركت انني لست الوحيد الذي يعاني منها, بل أكاد أزعم ان من يدعي انه بمنأى عنها منافق. لذا قررت الكتابة. قررت للتو ان أكتب حتى وإن كان كل مالدي لأقوله هو  "لا أعلم" ... لماذا؟ لأنني اختنقت بصمتي, لأنني أخشى التفرد بتلك الاسئلة والهواجس ... لأنني  خائف.

Source: Flicker - Check out what's written on the tank
خائف مما بداخلي من اشتياق للحياة اليومية , التي برغم انها غير طبيعية على الاطلاق إن قورنت بالحياة الانسانية في أي مكان متحضر, ولكنها اصبحت بعد 20 عام من العيشة هي الحياة الطبيعية التي لا نفقه غيرها. أخاف مايحدث إن حدث التغير فعلا,وتغيرت هذه الحياةفـكيف يتصرف المجتمع ويتغير معها. نعم, هذا مصدر قلق, فنحن نرى الشباب المتعنت في تحقيق المطالب فورا دون تفاوض, لمجرد أنهم قد بدأ يصبح لهم كيان وصوت يسمع, وطبعا لا مجال للتعميم. ولكن, هؤلاء الشباب وأنا منهم لم نتعلم كيف نتعامل مع الديمقراطية الحقيقية, لا نعلم حدودنا معها, لم نتعلم احترام الشرعية, بل تعودنا على لوم الحكومة والمجتمع في السر والصمت والرضاء في العلن. فكيف سيتعامل هذا المجتمع مع هذه الصدمة الحضارية؟ مع هذا التغير النوعي الجذري في كل شيء؟ ... طبعا كل هذه مخاوف عما يحدث بعد الاستقرار والتغيير, على فرض وأمل ان يحدث بالفعل, وان نعبر بسلام فترة الفوضى والصراع الدامي على السلطة, والتي لا مفر منها بحكم التاريخ. اخاف أيضًا مما  يحدث إن بقى الوضع على ماهو عليه. أخشى غضب الشعب, أخشى ان يتدمر الحلم, أخشى ان أرى العالم شامتا في المصريين بعد ان اقتربوا من النصر ومن استعادة مكانة المواطن المصري في العالم, بعد اجيال من الصمت والقمع من حكومتنا والظلم من حكم الاخرين. اخاف من اتخاذ قرار خاطئ, يقلل من قيمة شباب البلد, أو حكومته, أو كرامته. وابقى مشلول عديم النفع.

لا تقتصر هذه الحالة على الخوف والقلق فقط, بل تمتلئ أيضًا بالصدمة! فكما قلت سابقا, يحتاج الموقف إلى اعادة النظر في أشياء كنت اظنها مسلم بها. فمثلا, كنت طوال حياتي اتنقل من مكان إلى مكان ومن محافظة إلى محافظة ومن بلد إلى بلد, ولكن كنت اعتبر منزلي هو دائما وجهتي الأخيرة الطبيعية, كان يمثل  إلي الأمان والراحة ومصدر الطاقة والأمل ... لم أكن اتخيل بحياتي ان اقف امام المنزل بعصا , مرتعدا على سلامة أهلي في الأعلى, مستعد لتضحيات كثيرا في ظل الظروف, وأنا أسمع الطلقات النارية تحيط بي من الميادين المجاورة. لم أكن بحياتي اتخيل أنه من الممكن الغاء امتحان جامعي أو تأجيله إلى اجل غير مسمى, لم أكن اتخيل ان أرى كوبري السادس من أكتوبر خالي مساء يوم الخميس, و بالتأكيد لم أكن اتخيل ان تقوم ثورة شعبية أشعلها جروب على ال facebook . لم أكن أتخيل ان تتوقف سيارات الشرطة ليتم تفتيشها من مواطنون عاديون, كان منهم من يذهب لعمله في الصباح ومنهم من يذهب لجامعته, ومنهم حتى من كان يذهب لمدرسته. ولكن إن كانت هناك ظروف تضطرني لاعادة النظر بكل شيء, فهذه هي.

لا أعلم من عليَّ ان أصدق. لا أعلم إن كان فعلا يجب علي ألا أصدق خطبة السيد الرئيس حين يقول أنه لم يكن أبدا طالبا سلطة أو جاه, أو انه لم يكون اصلا ينتوي الترشح (بمزاجي أنا يعني, يا حثالة!), وأسمع بعدها خطاب أوباما الذي يمد فيه يد العون لمصر وأبنائها, ويصفهم بانهم إلهام لكافة شباب العالم, وانهم دليل على ان حرية الشعوب هي التي تنتصر في النهاية. لا أعلم من عليَّ ان أصدق. لا أعلم إن كان فعلا يجب علي ألا أصدق خطبة الجمعة اليوم, حين قال الشيخ أن على الجميع اتخاذ موقف, وأن من يقول أنه مازال لا يعرف فـهو منافق! ... ولعل هذه الكلمات هي ما دفعتني لكتابة ما أكتب  عزيزي شيخ المسجد, كنت دائم الاختلاف معك, ولكني كنت اصمت واقول لنفسي بانك انت أعلم, ولكن هذه المرة لا استطيع الابقاء على صمتي  انا مواطن لا يعلم  ولست منافق! وإن كنت أنافق فانا أنافق نفسي حين أحاول تصديق ماقيل بالخطاب الاخير, رغم انني كنت على صواب حين رفضت تصديق كل ماقبله!

الشيء  الوحيد الأكيد هو انني ضد التخريب, وضد الفتنة .. ولكن كما أكدت حين حدث حادث كنيسة القديسين أن هذه ليست فتنة بل دسائس, أكرر تأكيدي. فكلنا يعلم المنافق حين يراه, وحين تأتي فتاة تدعي انها تدربت في امريكا لقلب نظام الحكم في مصر وتقول باكية  "أنا آسفة يا بابا!"... أضحك! وحين يقول التلفزيون المصري ان هذه الجمال كانت أهل نزلة السمان نزلوا للتحاور, وأرى صورهم وهم يضربون المتظاهرين بالشوم والعصي ... أضحك! وحين يقول نائب رئيس الجمهورية ان الشرطة لم تقصر بل  دافعت عن نفسها امام وحشية المتظاهرين ... أضحك! وحين يقول الرئيس انه دائما ماكان منحاز للفقراء والمساكين  أضحك! ... وشر البلية مايضحك 
ليس هذا مالدي لأقوله عن الاحداث الراهنة, بل يجب عرضها ومناقشتها, وتسجيلها بدقة حتى يلتقطها التاريخ. وليس هذا ما اشعر به على طول الخط, فـكلنا نعلم ان كل منا تمرعليه ساعات اليوم وتمر معها جميع الحالات النفسية عليه, بين حزن وفرح ,وفخر وخزي, وتفاؤل وتشاؤم, إلى اخره. ولكني اخترت ان اطرح هذه الحالة, لما تلاقي من انتشار و ما تحتوي من صعوبة اطرحها لأوصل الرسالة لجميع من تأتيه هذه الحالة أنه ليس وحده  واطلب منه الدعاء لمصر وسلامة اهلها وأراضيها.

بلدي انظرإليكي متأملا, مندهشا بقوتك, مستمدةا منها قوتي. بلدي انظرإليكي باكيا دموع من نار وأنا لا استطيع رفع الغمة عنك  أنظر إليكي مشتاقا لزحامك وصخبك, لفرحك وغضبك, لبردك وحرك, لمطرك وترابك و رملك, مشتاقا للشكوى منك إلى من حولي كمن يتدلل ويتمنع على من يحبه ... انظر إليكي فخورا بكل شبر بأرضك, بكل شاب من اهلك, بكل شعار وهتاف صرخت به اصوات ابنائك المخلصين, يدافعون عن حقك ... بلدي …. أعتذر اليكي انني متردد, اعتذر انني لم اتخذ قراري, اعتذر انني لا استطيع اعطاك ماتستحقين  ولكني أعلم كم هو واسع صدرك , وهـا انا ارمي بنفسي فيه كما أفعل دائما, وهـا انت تتقبلينني كما تفعلين دايما, حتى في عز كربك.

أنظر اليكي يا مصر واتعجب كيف تصمدين أمام كل ذلك  حقا, انكي أم الدنيا! ... فلتحيا مصر و لتعيش حرة مستقلة! ... أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ...




ملحوظة: لقد تم اتخاذ موقف نهائي من ناحيتي أثناء كتابة هذا المقال ... فليتقي الظالم شر الحليم  ...
قريبا
post  "شر الحليم"

هناك تعليق واحد:

  1. اheba2/07/2011

    كانك قولت الى فى دماغى و قلبى بقاله سنين
    نفس الاسئلة بدور فى زهنى
    خايفة افوت فرصة مشاركتى فى تغيير حقيقى مستنياه بقالى كتيير و فجاءه بقة قدامى لدرجة انى مش مصدقة و خايفة انه يكون وهم و انى انجر ليه فاضر البلد و مش هسامح نفسى ابد و مابين ده وده الحيرة هتموتنى

    ردحذف