الخميس، 10 مارس 2011

دي اسمها مسخرة - الجزء الأول


دي اسمها مسخرة - الجزء الأول

لم اهتم كثيرا برصد تطورات أيام الثورة ال 18 والتي تسرعت فيها الاحداث بشكل جعله من شبه المستحيل الالمام بها وتفسيرها لحظة حدوثها. والآن أيضا, ليس بالاهمية ان أعيد ذكرها أو أحاول رصدها. ذلك لأنني  لست الاقدر على تلك المهمة, و لأن معظم هذه الاحداث الآن باتت معروفة جيدا لدى الجميع, داخل مصر وحتى خارجها. لذا, تكون الحكمة الوحيدة من رصدها هي للتاريخ والاجيال القادمة.ولكن الأمر الذي أشك بوضوحه الآن والذي أرى انه يستوجب الوقوف عنده هو حالة الفوضى التي انتابت مجتمعنا في ال 30 يوم الماضين تقريبا.

ولأكن أكثر وضوحا, فحديثي لا يقتصرعلى الخسائر الاقتصادية الفادحة التي جفت ألسنة الإعلاميين في الحديث عنها والإشارة لبداية انهيار البنية التحتية للدولة, ولا يقتصر على مدى خطأ أو صحة قرار بعض المتظاهرين بالاستمرار في تظاهراتهم. بل اتحدث عن البنية التحتية للمواطن المصري نفسه, والتي تكشفت بها زوايا لم تكن جلية من قبل. والسؤال هل ندرك ذلك؟ هل نعطي هذا الانكشاف حقه من اهتمامنا؟ هل يرى الجميع ما أراه مما ظهر في شخصية المواطن المصري؟ ام أننا جميعا مشغولون بالمستندات التي ظهرت من أمن الدولة؟ بالطبع, كل هذه الأشياء الأخرى مهمة أيضا, ولكن السؤال .. هل نرى الصورة كاملة؟ هل تتبع قيادتنا الطريقة السليمة في احتواء المواطنين ومطالبهم؟ ام أننا جميعا مشغولون بتوجيه أصابع الإتهام؟ وحين نواجه هذه الإتهامات, هل نتحلى بالموضوعية والإيجابية والانصاف المطلوب؟ ... أشك!

نخاف ان نتحدث بموضوعية فـندرك أننا جميعا مخطئين. أين أبدأ؟ ... دعوني أسرد لحضراتكم بعض المواقف , لربما ترون ما أرى, ولكن أسألكم ان تقرأوا مابين السطور.

كنت في طريق العودة إلى المنزل في الساعة الحادية عشر والنصف مساءا.  كان الطريق مزدحما بعض الشيء, لأن الجميع في طريق العودة إلى منازلهم قبل ميعاد حظر التجول (ناهيك عن الكثيرون الذين لم يغادروا كراسيهم اينما كانوا, ضاربين بتعليمات الجيش عرض الحائط). و في  u-turn هام للغاية وشديد الازدحام أمام ملاهي السندباد, فوجئت بمشهد عجيب. حوالي 5 سيارات قررت ان تقف في منتصف ال u-turn, متسببة في شل حركة الشارع كله. وإذ بأبواب السيارات تفتح, وموسيقى شعبية صاخبة تصدر من سماعات السيارات الخمس, "في إيه يا جماعة؟" "أصله فرح" ... قرر العريس واصدقاؤه النزول والرقص والإحتفال في هذا المكان بالتحديد, غير مبالين بكمية الشتائم والالفاظ التي تلقى عليهم من قائدي السيارات المتعطلين. لدرجة ان بعضهم قرر النزول من سياراتهم  )بعد بضع دقائق من الإستفزاز) لإجبار الفرح المفاجئ على افساح الطريق. فـما كان من  "المعازيم" (بعضهم مسلح طبعا) إلا الإحتكاك بهم لبضع دقائق أخرى قبل المغادرة ... أرجوكم ان تمهلوا انفسكم دقيقة لمحاولة ايجاد تفسير لما رويته ... تفسير غير  "دول عالم همج ولاد ***".

طب بلاش! ... يروي لي أحد أصدقائي أنه رأى اليوم رَجل بجوار ميدان الإسماعيلية قرر ان يتبول في منتصف الشارع في عز الظهر! طب بلاش قرر الجامع الذي أسكن أمامه ان يذيع صلاة الفجر كاملة  (متضمنة الدعاء المطول  في الركعة الاخيرا طبعا) في الميكروفون وكأنه صلاة جمعة! وسمعت من أقاربي ان الكنيسة التي يسكنون أمامها قررت أيضا أن ترفع صوت الميكروفون أيضا! طب بلاش قررت القهوة التي أجلس بها عادة ان تتوسع للناحية الأخرى من الشارع, وان تضع  "projector" يعرض على ظهر المبنى المجاور وسماعات لعرض المباريات! طب بلاش ... جرب النزول إلى شارع دمشق (معروف ببيع إكسسوارات السيارات), تجد طلب معظم الزبائن هو ال"تفييم" (تغير لون زجاج السيارة إلى أسود), وهو شيء كان شبه محظورا في الماضي! طب بلاش الموضة الجديدة بوضع ورق لاصق ضخم على لوحة نمر السيارة مكتوب عليها  "25 | ي ن ا ي ر" .. فعلا , الاعتزاز بأخلاق الثورة واضح في هذا التصرف! وتتوالى الامثلة دون حصر. هذا السلوك لا 
يسمى بالهمجية, ولا الحرية بعد كبت, ولا غير ذلك. لا اجد له وصف غير دي اسمها مسخرة!

كل هذا الكلام متعلق بالمواطنين "الرايقين", والذين - لسبب ما- أجد موقفهم اقل إضرارا بحال البلد من مواقف الاخرين. أبدأ بالإعتصامات! في الواقع ,موقفي من تلك الإعتصامات ليس كله لمساندة أحد الطرفين. ولكن اخص بالذكر بعض الإعتصامات المتخلفة التي سمعت عنها. منها مثلا  "يوم الجمعة القادم اعتصام لوضع نهاية لاستغلال شركة المحمول للمواطن المصري"!!! بعد كده هنلاقي إيه بقى إن شاء الله؟ الناس عاملة اعتصام قدام مصنع كرانشي عشان غلي من جنيه لجنيه ونص؟ ولا قدام أديداس عشان ال "sale" ماكانش فيه كولكشن حلو؟ أو قدام ماكدونالدز عشان شالوا الأبل باي من منيو الخمسة؟ .. واللهِ مسخرة!

من الجدير بالذكر ان الاعتصام الغير رسمي للشرطة في الفترة الماضية (إن شاء الله ماضية) لا يقل مسخرة عن باقي الإعتصامات المستفزة. أنا بصراحة أول مرة في حياتي أسمع عن شعب بيصالح الشرطة بتاعته! وحين اقول  "بتاعته" اقصدها بكل معانيها. هؤلاء ليسوا موظفين, ليسوا مثل أي هيئة حكومية أو حتى خاصة تضرب فـتأثر على مجالها فقط, فـغياب الأمن يؤثر على جميع المجالات. نحن نتحدث عن جهاز قرر العاملين به وضع مصلحة المواطن والمجتمع أولا! جهاز مدرب على الطاعة الكاملة للقيادات, حتى في الوقت الذي أمرت فيه هذه القيادات بالعنف والعداء مع المواطنين ... حتى في الوقت الذي كانت هذه القيادات تحملهم أكثر المهمات مشقة وصعوبة مقابل ملاليم! أين هذه الطاعة الآن؟ هل يمكن للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ان يطالب المواطنين بالانضباط والعمل في حين انه لا يستطيع فرض سيطرته على أكثر أجهزة الدولة بديهية؟ لا عجب حين يقف حال البلد إذًا, ولا عجب ان تحرق المباني! أحمد شفيق كان يقول  "البورصة مش عارفة تفتح عشان الناس واقفين حواليها عايزين يحرقوها!", هل معنى هذا ان الخطأ كله يقع على هؤلاء المتظاهرين (على فرض انهم فعلا يريدون حرقها)؟ ألا يتكبد حمل هذا أيضا الجهة المسئولة عن تأمين البورصة وغير البورصة؟ ام تترك البلد دون حماية, ودون تأمين, ثم تتعجب من الفوضى؟ اتعتقد انك تعيش في المدينة الفاضلة؟ هذا بلد في مرحلة الخروج من ثورة, ثورة اتت بعد نصف قرن من الكبت والفوضى! اخلاقهم وسلوكهم غير متزن ... كيف تحاسبهم بهذا المنطق المستفز في رزانته؟ من يخاطب المجتمع بالاسلوب الذي يتناسب مع حالته؟ اين الحنكة السياسية؟ ... بإختصار دي اسمها مسخرة!

-يتبع في الجزء الثاني-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق